"بانيت ""بيروت إيمان إبراهيم: في مكتبها التقيناها، تشع فرحاً بعد ايام قليلة من صدور البومها الجديد «خليني شوفك»، تدافع عن جديدها، تتمسك بقديمها،
وفي كلتا الحالتين تحاول الحفاظ على الخط الرفيع الذي يربط بين نجوى التي غنت الحب بانكسار، ونجوى التي تغنيه اليوم بفرح، فظروفها تغيرت، والحياة أكسبتها نضجاً، تقول «اليوم انا ملكة قراري، بينما مجرد اتخاذ القرار كان من المحظورات في السابق».
تحب نجوى فنها، لكنها باتت تحب اكثر المرأة التي تغني، تحاول ان تعطيها حقها الذي سلبتها اياه سنوات المراهقة، عندما كانت تحب الفن، وتمارس فيه مراجل، هي التي باتت تؤمن أكثر بسلطة الرجل، وقوته التي تشعرها بضعفها الانثوي.
«لم اكسر صورتي التقليدية» تجيب الفنانة نجوى كرم مدافعة بعد الانتقادات التي طالت اغنيتها «خليني شوفك بالليل»، فالمجتمع هو الذي يدفع المرأة الي التستر بظلام الليل خوفاً من عيونه التي لا ترحم، لكن اذا ما طلبت ابنتها مقابلة الحبيب ليلاً ستنتفض لشرقيتها وتثور، «اهلي زرعوا في رؤوسنا ان الفكرة غير مقبولة».
تغني اليوم ما لم تكن تجرؤ على غنائه في التسعينات، فالزمن تغير والناس تغيروا وهي في قرارة نفسها تغيرت وان كانت ترفض الاعتراف بذلك، وتفضل البقاء اسيرة التربية الصارمة التي تلقتها في احدى قرى لبنان.
"أنا الصوت وأنتم الصدى"
• كيف تقيمين أصداء ألبومك الجديد «خليني شوفك»؟
_ أفضل أن أترك الحكم لكم وللجمهور، أنا الصوت وأنتم الصدى، وأتمنى أن تكون الاصداء ايجابية. كل ما استطيع قوله هو ان الألبوم فيه كل الحب والفرح، لا يوجد فيه منعطفات خطرة، بل صيف مشمس يدل على طريق فني فيه استمرارية أكبر.
• ألبومك الجديد يحمل كماً من الحب يبدو أنه اصبح عنواناً لأعمالك الفنية، كل هذا الشغف والحب ماذا تريد نجوى كرم ان تقول من خلاله؟
- لطالما أحببت الحب، لكن حبي كان حزيناً، اليوم صار أكثر فرحاً.
• لماذا «خليني شوفك بالليل»؟ أليس ثمة ايحاءات في الاغنية؟
- الليل يهبط عند الساعة الخامسة مساء في الشتاء، هل هذا أمر معيب؟ في الجبل لدينا تقاليد تحظر على الفتاة الخروج ليلاً، كان أهلي يلزموننا بالعودة قبل الساعة الرابعة، وأصلاً كان الخروج من المنزل ممنوعاً، لذا بمجرد أن نشاهد فتاة تعود الى منزلها عند الساعة السادسة مساءً، كنا نقول «عيب» حتى لو لم تكن بصحبة أحد. ولو رأينا معها أحداً عند الساعة الثانية عشرة ظهراً، كنا نقول ايضاً «عيب»، فالليل لا يحدد ماذا ستفعل الفتاة.
• ألم تجازفي عندما كسرت تلك الصورة التقليدية ودعوت إلى الحب في ظلمة الليل بعيداً عن عيون المجتمع؟
- اولا انا لم أغن لنفسي، انا مع الحب ولو كان بامكاننا مقابلة الحبيب في المنزل امام اعين اهالينا، لو كنا نجرؤ على الاعلان عن مشاعرنا، لما كنا خبأنا حبنا في ظلمة الليل.
• أنت نصيرة المرأة في أغانيك؟
- إذا لم أكن مع المرأة في حالة الحب، أقله سأقول لها احلمي، لأنك اذا تجردت من الحلم تفقدين كل معاني الانوثة. واذا أردت ان أتخذ مثالا للمرأة الشرقية، لا أرى امامي الا السيدة فيروز في اغنية «طريق النحل»، و«سكن الليل»، فإذا سمعت ماذا غنت ستكتشفين ان اغنية «خليني شوفك بالليل» ليست بهذه الجرأة، علماً بأني لا اقارن نفسي بالسيدة فيروز.
• جانب الجرأة فيك أصبح أكبر؟
- دعيني أوضح نقطة مهمة، أنا اليوم اغني لهذا الجيل، ولكوني على ثقة بأني لم أكن لأجرؤ على طرح هذه الأغنية في التسعينات، علماً بأني غنيت أغاني في البومي الجديد فيها نفحة من الايام الماضية، علما بأن ليس كل كلمات اغانيّ تعبر عني كنجوى كرم، فلو كان لدي بنت، سأرفض حتماً ان تقابل حبيبها في الليل لأن أهلي زرعوا في رأسي افكاراً لا استطيع ان اتخطاها.
• الى اي مدى يستطيع الفنان ان يتفاعل مع أغان لا تلامسه؟
- احياناً يغني الفنان ما يحلم بتحقيقه، يتأوه ويقول «يا ليت»، يغنيه بصدق اكبر.
• غنيت للحب بعنفوان لكن عنفوانك كان يصطدم دائماً بسلطة الرجل المطلقة، فكيف للعنفوان والانكسار ان يجتمعا بشخصية واحدة؟
- انا أؤمن بسلطة الرجل، لكنني لم أكن يوماً منكسرة، ولا أستطيع ان أجرد الرجل من رجوليته وسلطته كي أشعر بأنوثتي، فإذا لم يكن رجلاً بكل معنى الكلمة فلا استطيع ان احبه. كيف للمرأة ان تشعر بضعفها ما لم تكن في كنف رجل قوي؟
• صورة نجوى كرم اليوم تبدو اكثر رقة، اكثر انوثة وشاعرية، لماذا هذا التركيز على نجوى الانثى، العاشقة؟
- لا استطيع ان اصور اغنية عاطفية ابدو فيها بمظهر سيدة تحمل السوط وتجلد حبيبها، الاغنية ينبغي ان تأخذ حقها في التصوير.
لا أحب كليباتي القديمة
• في السابق كنت تصورين أغانيك العاطفية بعيداً عن اجواء الرومانسية والحب، هل تحبين كليباتك القديمة؟
- لا، فالتقينات تغيرت، وانا اليوم اصبحت اكثر نضجاً. كنت حينها صغيرة لا ارى الا الفن، كان يهمني ان أصعد الى المسرح واغني، اليوم أصبحت اهتم بالمرأة التي تغني بعيداً عن تلك الطفلة التي كانت تصعد الى المسرح لتمارس مرجلات في الحب.
• ليس تقليلاً من شأن فنك، لكن اشعر انك ارق من اغانيك، وارقى منها وأعمق، الا توافقينني الرأي؟
- اوافقك الرأي، لكن دعيني اوضح لك امرا، الاغنية الشعبية هي التي تتوجهين بها الى عامة الشعب، وتكون نابعة من القلب بسيطة، بينما الاغنية الراقية هي التي تقولين فيها الكثير وتصنف في خانة الكلاسيكية. الاغنية الشعبية تحمل كلاماً متداولاً لا تحتمل التعقيد.
• الكثير من الفنانين الذي اصبحوا رموزاً شعبية لمقاربتهم قضايا الناس يعيشون في انفصام بين ادوارهم وما يمثلون، وبين الابراج العاجية التي يقطنون بها، هل يصبح الفنان في رأيك اسير صورته وقضيته وفنه؟
- دعيني اجيبك بشكل اخر، عندما يكون الفنان شعبياً، عليه ان يحافظ بطريقة ما على هيبته، كي لا يفقد بريقه ويتحول الى اكذوبة، لكن هذا لا يعني ان يتعالى على جمهوره.
• لو عدت إلى الوراء، أي مرحلة كنت ستحذفين من حياتك الفنية، بمعنى آخر، هل ندمت على عمل قدمته؟
- أحياناً نقوم بأخطاء تفرضها علينا ظروفنا، ولو عدنا إلى الخلف لأعدنا ارتكاب الاخطاء نفسها. أما عن خياراتي الفنية، فلا شك في أنني أخطأت ببعضها مثل أغنية «أوعى تكون زعلت» التي قدمتها بعد أغنية "»عاشقة» واعتقدت انني سأحقق من خلالها الكثير، لكن سيل الانتقاد الذي حصدته جعلني أكره الاغنية، لكنني لم أندم لأنها ليست بالغلطة الفادحة، وهذا لا يعني أنني لا أتعلم من أخطائي، بالعكس أنا أتعلم من أخطائي ومن أخطاء غيري، وأجلس أمام التلفزيون أشاهد المقابلات لأتعلم من غيري.
ملحم بركات لا يستطيع ضبط نفسه
• المتكلمون في عالم الفن قلائل؟
- بالعكس، أشعر بأن المتكلمين كثر، لكن ان يكون الفنان متكلماً فهذا لا يعني بالضرورة انه مثقف.
• من هم المثقفون في عالم الفن؟
هم كثر، منهم السيدة ماجدة الرومي التي أتعلم منها، الفنان جورج وسوف الذي لن أصفه بالمثقف بل أقول ان لديه تجربة كبيرة في الحياة، وكل كلمة يتفوه بها تدل على خبرته العميقة.
• في رأيك أليس جميلاً أن يتحلى الفنان بالعفوية ويتحدث على الشاشة الفضية كما لو كان في منزله؟
- ليس دائماً، فالفنان يطل بصورة معينة على جمهوره ويحرص على الحفاظ على هذه الصورة، انا مثلا لا اتخيل نفسي وانا اقابل الناس بمريول المطبخ.
• وهل تلبسينه أصلاً؟
- بالطبع ألبسه عندما اعد الحلويات.
كنت ممزقة بين زواجي وفني
• اليوم ثمة من يقارنك بالفنانة ماجدة الرومي، ويعتبرك رمزاً وطنياً...
- (تقاطعني قائلة) السيدة ماجدة الرومي من دون شك رمز لبناني نفخر به، وانا من اشد معجبيها لكنني لا أحب ان أقارن نفسي بأحد الا من منظار مدى حبي لبلدي، من هذا المنظار أقول لا أحد يحب لبنان قدر ما أفعل.
• هل كنت تتوقعين الفشل في تجربة زواجك؟
- لا أحد منا يتوقع الفشل، وكل منا يتزوج ليستقر وليس على سبيل التجربة فحسب، انا كنت اتمنى ان اتزوج مرة واحدة مدى الحياة.
• في كل سنة نلتقي عند صدور البوم جديد لك، والسنوات تمضي بسرعة، ألا يخيفك الوقت؟ الا تخشين من الغد؟
- لدي فلسفة تقول ان كثرا يعتقدون ان الزمن يمر علينا، وانا اعتبر ان الزمن يقف ونحن الذين نمر عليه، فأنا اليوم اعيش في الحاضر الماضي الذي بنيته لمستقبلي، لذا انا لا اخاف من المستقبل مادمت سيدة قراري. اياً يكن الماضي، المهم الحاضر والمستقبل، وأياً تكن ظروفي هذه انا، نعم أنا جريئة ، بل بت أكثر جرأة من ذي قبل لكنني امرأة شرقية وأعتز بذلك.
• ما مشاريعك الفنية الجديدة؟
- انتظر بفارغ الصبر انطلاق موسم حفلاتي، لأسمع أصداء الالبوم، ولأقرر الاغنية التي سأصورها بعد أغنية «خليني شوفك» وهو قرار اتخذه من ردود الفعل التي اتلقاها في حفلاتي. مهرجاناتي كثيرة في لبنان وسوريا والاردن، وهو ما يعيدني الى فترة التسعينات حين كنت اركز على حفلاتي في بلاد الشام.